فصل: قال بيان الحق الغزنوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفراء:

سورة الروم:
{غُلبَت الرُّومُ في أَدْنَى الأَرْض وَهُم مّن بَعْد غَلَبهمْ سَيَغْلبُونَ}.
قوله: {غُلبَت الرُّومُ} القُراء مجتمعون على {غُلبَت} إلاّ ابن عمر فإنه قرأها {غَلَبَت الرُّومُ} فقيل له: علاَم غَلبُوا؟ فقال: على أدنى ريف الشأم. والتفسير يردّ قول ابن عُمَر. وذلك أن فارس ظفرت بالروم فحزن لذلكَ المسْلمُونَ، وفرح مشركو أهل مَكَّة؛ لأن أهل فارسَ يعبدونَ الأوثان ولا كتاب لهم، فأحبّهم المشركُونَ لذلك، ومال المسْلمونَ إلى الروم، لأنهم ذَوو كتابٍ ونبوّة. والدليل على ذلكَ قول الله: {وَهُم مّن بَعْد غَلَبهمْ سَيَغْلبُونَ} ثم قال بعد ذلكَ: ويوم يغلبونَ يفرح المؤمنون إذا غَلَبُوا. وقد كان ذلك كلّه.
وقوله: {مّن بَعْد غَلَبهمْ} كلامُ العرب غَلَبته غَلَبةً، فإذا أضَافوا أسْقَطُوا الهاء كما أسْقطوهَا في قوله: {وإقام الصَّلاة} والكلامُ إقامة الصَّلاة {في بضْع سنينَ للَّه الأَمْرُ من قَبْلُ وَمن بَعْدُ وَيَوْمَئذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمنُونَ}.
وقوله: {للَّه الأَمْرُ من قَبْلُ وَمن بَعْدُ} القراءة بالرفع بغير تنوينٍ؛ لأنهما في المعْنَى يراد بهما الإضافَة إلى شيء لامحالة. فلمَّا أدّتا عن مَعْنى ما أُضيفتا إليه وسَمُوهما بالرفع وهما مخفوضتان؛ ليكون الرفع دليلًا عَلَى ما سَقط ممَّا أضفتهما إليه. وَكذلكَ ما أشبههما، كقول الشاعر:
إن تأت من تحتُ أجئْها من عَلُ

ومثله قول الشاعر:
إذا أنا لم أُومَن عَليك ولم يَكُن ** لقاؤك إلاَّ من ورَاءُ ورَاءُ

ترفع إذا جَعَلته غايةً ولم تذكر بعده الذي أضفته إليه فَإن نويت أن تظهره أو أظهرته قلت: لله الأمر منْ قبل ومن بَعْد: كأنكَ أظهرتَ المخفوض الذي أسْنَدْت إليه {قَبْل} و{بعد}. وسمع الكسَائىُّ بعض بنى أسَدٍ يقرؤها {للَّه الأَمْرُ من قَبْل وَمن بَعْدُ} يخفض {قبل} ويرفع {بَعد} عَلَى ما نوى وأنشدنى هو يعنى الكسَائىّ:
أكابدهَا حَتى أُعَرّسَ بَعْد مَا ** يكون سُحُيْرًا أو بُعَيدَ فأهْجَعَا

أراد بُعَيدَ السحَّر فأضمره. ولو لم يُرد ضمير الإضافة لرفع فقال: بُعَيْدُ. ومثله قول الشَّاعر:
لَعَمْركَ ما أدرى وإنى لأَوجَلُ ** على أيّنا تَعْدو المنيَّةُ أوّلُ

رفعت أوّل لأنه غاية؛ ألا ترى أنها مسنَدة إلى شيء هي أوّلهُ؛ كما تعرف أنّ قبل لا يكون إلاَّ قبل شىء، وأنَّ بعد كذلكَ. ولو أطلقتهما بالعربيّة فنوَّنت وفيهما مَعْنى الإضَافة فخفضت في الخفض ونوَّنت في النصب والرفع لكان صَوَابًا، قد سُمع ذلكَ من العرب، وجَاء في أشعارها، فقال بعضهم:
وساغَ لى الشرابُ وكنت قبلًا ** أكاد أغَصُّ بالمَاء الحميم

فنوَّنَ وكذلكَ تقول: جئتك من قبل فرأيتكَ. وكذلك قوله:
مكَرٍّ مفَرٍّ مقبل مُدبرٍ معًا ** كجُلمود صخرٍ حطّه السيلُ من عَل

فهذا مخفوض. وإن شئت نوَّنت وأن شئت لم تنون على نيّتك؟ وقال الآخر فرفع:
كَأنّ محَطّا في يدَى حارثيَّةٍ ** صَنَاعٍ علت منّى به الجلدَ من عَلُ

المحَطّ: منقاش تشم به يدها.
وأمّا قول الآخر:
هتكت به بيوتَ بنى طَريفٍ ** على ما كان قبل من عتاب

فنوَّن ورَفَع فإن ذلك لضرورة الشعر، كما يُضطَرّ إليه الشاعر فينوّن في النداء المفرد فيقول: يا زيد أَقْبل؛ قَالَ:
قدَّمُوا إذْ قيل قيس قدّمُوا ** وارفعُوا المجدَ بأطراف الأَسَل

وأنشدنى بعض بنى عُقيل:
ونحن قتلنا الأَسْدَ أَسْدَ شَنُوءَة ** فما شربُوا بعد عَلَى لذَّة خمرَا

ولو ردّه إلى النصب إذ نوّن كان وجهًا؛ كما قال:
وسَاغ لى الشراب وكنت قبلًا ** أكاد أغَصَّ بالمَََاء الحَميم

وكذلك النداء لو رُدّ النصب إذا نُوَّن فيه كَانَ وَجْهًا؛ كما قال:
فطر خالدًا إن كنتَ تَسْطيع طَيْرةً ** وَلا تَقَعْن إلاَّ وقلبُكَ حَاذر

ولا تنكرنَّ أن تضيف قبل وبعدَ وأشباههما وإن لم يظهر فقد قال:
إلاَّ بُدَاهةَ أو عُلاَلَة ** سَابحٍ نَهْد الجُزَاره

وقال الآخر:
يامن يرى عَرضًا أكفكفُهُ ** بين ذرَاعىْ وجَبْهة الأَسَد

وسمعت أبا ثَرْوَان العُكْلىّ يقول: قطع الله الغداة يد ورجل من قاله. وإنما يجوز هَذَا في الشيئين يَصْطحبَان؛ مثل اليد والرجل، ومثل قوله: عندى نصفُ أو ربعُ درهَمٍ، وجئتك قبلَ أو بعدَ العصر. ولا يجوز في الشيئين يتباعَدان؛ مثل الدار والغلام: فلا تُجيزنّ: اشتريت دارَ أو غلام زيد؛ ولكن عَبْدَ أَوْ أَمَةَ زَيدٍ، وعينَ أو أذُن، ويد أو رجْلَ، وما أشبهه.
{يَعْلَمُونَ ظَاهرًا مّنَ الْحَيَاة الدُّنْيَا وَهُمْ عَن الآخرَة هُمْ غَافلُونَ}.
وقوله: {يَعْلَمُونَ ظَاهرًا مّنَ الْحَيَاة الدُّنْيَا} يعنى أهل مَكَّة. يقول: يَعلمونَ التجارات والمعاش، فجَعَلَ ذلك علمهم. وأمَّا بأمْر الآخرة فعَمُون.
{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا في أَنفُسهمْ مَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إلاَّ بالْحَقّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإنَّ كَثيرًا مّنَ النَّاس بلقَاء رَبّهمْ لَكَافرُونَ}.
وقوله: {إلاَّ بالْحَقّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى} يقول: ما خلقناهما {إلاَّ بالْحَقّ} للثواب والعقاب والعمَل {وَأَجَلٍ مُّسَمًّى} القيامَة.
{أَوَلَمْ يَسيرُوا في الأَرْض فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقبَةُ الَّذينَ من قَبْلهمْ كَانُوا أَشَدَّ منْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ ممَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالْبَيّنَات فَمَا كَانَ اللَّهُ ليَظْلمَهُمْ وَلَاكن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلمُونَ}.
وقوله: {وَأَثَارُوا الأَرْضَ} حَرَثوها {وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ} مما كانوا يَعْمُرُونَ. يقول: كانوا يعمّرونَ أكثر من تعمير أهْل مَكَّة فأُهلكُوا.
{ثُمَّ كَانَ عَاقبَةَ الَّذينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَن كَذَّبُوا بآيَات اللَّه وَكَانُوا بهَا يَسْتَهْزئُونَ}.
وقوله: {ثُمَّ كَانَ عَاقبَةَ الَّذينَ أَسَاءُوا السُّوءَى}.
تنصب الْعَاقبة بكان، وتجعل مرفوع {كان} في {السُّوءَى}. ولو رفعت الْعَاقبة ونصبت {السُّوءَى} كان صَوَابًا. و{السُّوءَى} في هَذا الموضع: العذابُ، ويقال: النار.
وقوله: {أَن كَذَّبُوا} لتكذيبهم، ولأن كذَّبُوا. فإذا ألقيتَ اللام كان نصبًا.
{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلسُ الْمُجْرمُونَ}.
وقوله: {يُبْلسُ الْمُجْرمُونَ} ييأسون من كل خير، ويقطع كلامُهم وحججهم. وقرأ أبوُ عبدالرحمن السلمىّ {يُبْلَسُ الْمُجْرمُونَ} بفتح اللام. والأولى أجود. قال الشاعر:
يا صَاح هل تعرف رَسمًا مكرَسًا ** قال نعم أعرفُه وَأبلسَا

{فَسُبْحَانَ اللَّه حينَ تُمْسُونَ وَحينَ تُصْبحُونَ}.
وقوله: {فَسُبْحَانَ اللَّه حينَ تُمْسُونَ} يقول: فصَلّوا لله {حينَ تُمْسُونَ} وهى المغرب والعشَاء {وَحينَ تُصْبحُونَ} صَلاة الفجر {وَعَشيًّا} صلاة العصر {وَحينَ تُظْهرُونَ} صلاة الظهر.
{وَمنْ آيَاته خَلْقُ السَّمَاوَات وَالأَرْض وَاخْتلاَفُ أَلْسنَتكُمْ وَأَلْوَانكُمْ إنَّ في ذالكَ لآيَاتٍ لّلْعَالَمينَ}.
وقوله: {لآيَاتٍ لّلْعَالَمينَ} يريد العالَم من الجنّ والإنس ومن قرأهَا {للعَالمينَ} فهو وجه جيّد؛ لأنه قد قال: {لآياتٍ لقومٍ يَعْقلُونَ} و{لآياتٍ لأُولى الأَلْبَاب}.
{وَمنْ آيَاته يُريكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزّلُ منَ السَّمَاء مَاءً فَيُحْيي به الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتهَا إنَّ في ذَلكَ لآيَاتٍ لّقَوْمٍ يَعْقلُونَ}.
وقوله: {وَمنْ آيَاته يُريكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا} وقبل ذلك وبعده أنْ أنْ وكلّ صَوَاب. فمن أظهر أن فهىَ في موضع اسمٍ مرفوعٍ؛ كما قال: {وَمنْ آيَاته مَنَامُكُمْ باللَّيل والنَّهَار} فإذا حَذفْت أن جَعَلْتَ من مؤدّية عن اسْمٍ متروكٍ يكون الفعل صلةً لهُ؛ كقول الشاعر:
وما الدهر إلاَّ تارتان فمنهُمَا ** أمُوتُ وَأُخرى أبتغى العَيْش أكدح

ب- كأنه أراد: فمنها سَاعَة أموتها، وسَاعة أعيشها. وكَذلك من آياته آية للبرق وآية لكذا. وأن شئتَ: يريكم من آياته البرق فلا تضمر أن ولا غيره.
{وَمنْ آيَاته أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بأَمْره ثُمَّ إذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مّنَ الأَرْض إذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ}.
وقوله: {أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بأَمْره} يقول: أَن تدومَا قائمتين بأمره بغير عَمَدٍ.
{وَهُوَ الَّذي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى في السَّمَاوَات وَالأَرْض وَهُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ}.
وقوله: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه} حدّثنا أبو العبَّاس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفرّاء قال: حدّث الحسنُ بن عمارة عن الحَكَم عن مجاهد أَنه قال: الإنشاءة أهونُ عليه من الابتداء. قال أبو زكريّاء: ولا أشتهى ذلك والقولُ فيه أنه مَثَل ضَرَبه اللهُ فقال: أتكفرونَ بالبعث، فابتداءُ خَلْقكم من لاَ شيء أشدّ. فالإنشاءة من شيء عندكم بأهل الكفر ينبغى أن تكون أهْونَ عَليه. ثم قال: {وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى} فهذا شاهد أنه مَثَل ضربه الله. حدَّثنا أبو الْعَبَّاس، قال حدّثنا محمّد قال حدّثنا الفرّاء قال حدَّثنى حبَّانُ عن الكلبىّ عن أبى صالح عن ابن عبَاسٍ قال: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه} على المخلوق، لأنه يقول له يوم القيامَة: كن فيكون وأوَّل خَلْقه نُطْفة ثم من عَلَقة ثم من مُضْغَةٍ.
{ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلًا مّنْ أَنفُسكُمْ هَلْ لَّكُمْ مّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مّن شُرَكَاءَ في مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فيه سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخيفَتكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلكَ نُفَصّلُ الآيَات لقَوْمٍ يَعْقلُونَ}.
وقوله: {كَخيفَتكُمْ أَنفُسَكُمْ} نصبتَ الأنفس؛ لأن تأويل الكاف والميم في {خيفَتكُمْ} مرفوع. ولو نويْت به- بالكاف والميم- أن يكون في تأويل نصبٍ رفعت مَا بعدها. تقول في الكلام: عجبت من موافقتك كثرةُ شرب الماء، عجبت من اشترائكَ عبدًا لا تحتاج إليه. فإذا وقع مثلها في الكلام فأجره بالمعنى لا باللفظ. والعرب تقول: عجبت من قيامكم أجْمعونَ وأجمعين، وقيامكم كُلُّكم وكُلّكم. فمنْ خفض أتبعه اللفظ؛ لأنه خَفْض في الظاهر ومن رفع ذهب إلى التأويل. ومثله {لإيلاَف قرَيْشٍ إيلاَفهمْ رحْلَةَ الشّتَاء والصَّيْف} أوقعت الفعل من قريش عَلى {رحْلَة} والعرب تقول: عجبت من تساقطهَا بعضُها فوق بعض، وبعضها، على مثل ذلك: هذا إذا كَنَوا. فإذا قالوا سَمْعت قرع أنيابه بعضها بَعضًا خفضوا بعض وهو الوجه في الكلام؛ لأن الذي قبله اسم ظاهر، فاتبعوه إيَّاه لو رفعت بعضهَا كان على التأويل.
{فَأَقمْ وَجْهَكَ للدّين حَنيفًا فطْرَتَ اللَّه الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْديلَ لخَلْق اللَّه ذَلكَ الدّينُ الْقَيّمُ وَلَاكنَّ أَكْثَرَ النَّاس لاَ يَعْلَمُونَ}.
وقوله: {فطْرَتَ اللَّه} يريد: دين الله منصوب عَلى الفعل، كقوله: {صبْغَةَ الله}. وقوله: {الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} يقول: المولود عَلى الفطرة حتى يكُون أبواهُ اللذان ينصّرانه أو يُهوّدانه. ويقال فطرة الله أن الله فطر العبَاد على هَذا: على أنْ يعرفُوا أَنّ لهم رَبًّا ومدبّرًا.
{مُنيبينَ إلَيْه وَاتَّقُوهُ وَأَقيمُوا الصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُوا منَ الْمُشْركينَ}.
وقوله: {مُنيبينَ} منصوبة عَلى الفعل، وإن شئت على القطع.
{فأقمْ وجهك} ومن مَعَك مُنيبينَ مقبلين إليه.
وقوله: {وَلاَ تَكُونُوا منَ الْمُشْركينَ}. {منَ الَّذينَ فَارَقُوا دينَهُمْ} فهذا وجه. وإن شئت استأنفت فقلت: {منَ الَّذينَ فَارَقُوا دينَهُمْ وَكَانُوا شيَعًا كُلُّ حزْبٍ بمَا لَدَيْهمْ فَرحُونَ}. كأنكَ قلت: الذينَ تفرقوا وتشايَعُوا كلُّ حزْبٍ بما في يده فرح.
{أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بمَا كَانُوا به يُشْركُونَ}.
وقوله: {أَنزَلْنَا عَلَيْهمْ سُلْطَانًا} كتابًا فهو يأمرهم بعبادة الأصنام وشرْكهم.
{وَمَآ آتَيْتُمْ مّن رّبًا لّيَرْبُوَ في أَمْوَال النَّاس فَلاَ يَرْبُو عندَ اللَّه وَمَآ آتَيْتُمْ مّن زَكَاةٍ تُريدُونَ وَجْهَ اللَّه فَأُوْلَائكَ هُمُ الْمُضْعفُونَ}.
وقوله: {لّيَرْبُوَ} قرأهَا عاصم والأعمش ويحيَى بن وَثَّابٍ باليَاء ونصْب الواو. وقرأها أهل الحجاز {لتُرْبُوَ} أنتم. وكلّ صواب ومن قرأ {ليَرْبوَ} كان الفعل للربا. ومن قال: {لتُرْبُوا} فالفعْل للقوم الذين خُوطبُوا. دَلّ عَلى نصبه سُقوطُ النُّون. ومعناه يقول: وما أعطيتم من شيء لتأخذوا أكثر منْهُ فَلَيسَ ذلكَ بزاكٍ عند الله {وَمَآ آتَيْتُمْ مّن زَكَاةٍ تُريدُونَ} بهَا {وَجْهَ اللَّه} فتلك تَرْبو للتضعيف.
وقوله: {هُمُ الْمُضْعفُونَ} أهل للمضاعفة؛ كما تقول العرب أصبحتم مُسْمنينَ مُعْطشين إذا عطشت إليهم أو سَمنت. وسمع الكسائىُّ العرب تقول: أصْبحتَ مُقْويًا أي إبلك قويَّة، وأصبحتَ مُضعفًا أي إبلكَ ضعاف تريد ضعيفة من الضُّعف.
{ظَهَرَ الْفَسَادُ في الْبَرّ وَالْبَحْر بمَا كَسَبَتْ أَيْدي النَّاس ليُذيقَهُمْ بَعْضَ الَّذي عَملُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجعُونَ}.
وقوله: {ظَهَرَ الْفَسَادُ في الْبَرّ وَالْبَحْر بمَا كَسَبَتْ أَيْدي النَّاس ليُذيقَهُمْ} يقول: أجدَبَ البَرُّ، وانقطعتْ مادَّة البحر بذنوبهم، وكان ذلك ليُذَاقوا الشدَّة بذنوبهم في العاجل.
{فَأَقمْ وَجْهَكَ للدّينَ الْقيّم من قَبْل أَن يَأْتيَ يَوْم لاَّ مَرَدَّ لَهُ منَ اللَّه يَوْمَئذٍ يَصَّدَّعُونَ}.
وقوله: {يَصَّدَّعُونَ} يتفرقون. قال: وسَمعت العرب تقول: صدَعت غنمى صدْعتين؛ كقولك: فَرَقتهَا فرقتين.
{فَانظُرْ إلَى آثَار رَحْمَت اللَّه كَيْفَ يُحْيي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتهَآ إنَّ ذَلكَ لَمُحْيي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدير}.
وقوله: {إلَى آثَار رَحْمَت اللَّه} قرأها عاصم والأعمش {آثَار} وأهل الحجاز {أَثَر} وكلّ صواب.
{وَلَئنْ أَرْسَلْنَا ريحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَّظَلُّوا من بَعْده يَكْفُرُونَ}.
وقوله: {فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا} يخافونَ هلاكه بعد اخضراره، يعنى الزرع.
{وَمَآ أَنتَ بهَاد الْعُمْي عَن ضَلاَلَتهمْ إن تُسْمعُ إلاَّ مَن يُؤْمنُ بآيَاتنَا فَهُمْ مُّسْلمُونَ}.
وقوله: {بهَاد الْعُمْي عَن ضَلاَلَتهمْ} و{من ضَلاَلَتهمْ} كلّ صَوَاب. ومن قال: {عَن ضَلاَلَتهمْ} كَأنه قالَ: ما أنت بصَارفٍ العمى عن الضلالة. ومَن قال من قَالَ: ما أنت بمانعهم من الضلالة.
{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسمُ الْمُجْرمُونَ مَا لَبثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ}.
وقوله: {يُقْسمُ الْمُجْرمُونَ مَا لَبثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} يَحْلفون حين يخرجُون: ما لبثوا في قبورهم إلاَّ ساعةً. قال الله: كَذَبُوا في هذا كما كذبوا في الدنيا وجحدُوا. ولو كانت: ما لبثنا غير سَاعةٍ كان وجهًا؛ لأنه من قولهم؛ كقولكَ في الكلام: حلفوا ما قامُوا، وحَلفوا ما قمنا. اهـ.

.قال بيان الحق الغزنوي:

سورة الروم:
{غلبت الروم} (2) غلبتهم الفرس في زمن أنوشروان، فأخبر الله رسوله أن الروم ستدال على فارس، فغلبوا الفرس في عام الحديبية.
{في أدنى الأرض} (3) في الجزيرة، وهي أقرب أرض الروم إلى فارس. وقيل: في أذرعات وبصرى.
{ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله} (5) أي: الروم على فارس، لتصديق الوعد، أو لأن ضعف فارس قوة العرب، ولأن فارس لم يكونوا أهل كتاب، وروم نصارى أهل الإنجيل.
{إلا بالحق} (8) إلا بالعدل. وقيل: إلا للحق، أي: لإقامة الحق.
{ثم كان عاقبة الذين أسائوا السوأى} (10) نصب العاقبة على خبر {كان} قدمه على الاسم، واسمه {السوأى} واللام مقدر في {أن كذبوا} والسوأى: النار هاهنا، كما أن الحسنى الجنة، في قوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى}.
{يحبرون} (15) يكرمون. وقيل: يسرون.
{فسبحان الله} (17) فسبحوا الله في هذه الأوقات. وإن كان سبحان مصدرًا عقيمًا ولكنه في معنى تسبيح الله.
{ومن ءاياته يريكم البرق خوفًا وطمعًا} (24) {خوفًا} من الصواعق وطمعًا في الغيث. وقيل: خوفًا للمسافر وطمعًا للمقيم. ولم يجيء أن في {يريكم البرق} لأنه عطف على: {ومن ءاياته خلق السموات} وكان المعطوف بمعنى المصدر ليكون عطف اسم على اسم.
وقيل: تقديره: ويريكم البرق خوفًا وطمعًا من آياته فيكون عطف جملة على جملة.
{وهو أهون عليه} (27) أي: عندكم. وقيل: أهون على المعاد من الابتداء لأنه ينقل في الابتداء حالًا فحالًا ويخلق أطوارًا وفي الإعادة يكون بكن. وقيل: إن المراد بالأهون الهين قال الفرزدق:
إن الذي سمك السماء بنى لنا ** بيتًا دعائمه أعز وأطول

بيتًا بناه لنا الإله وما بنى ** ملك السماء فإنه لا ينقل

{وله المثل الأعلى} (27) الصفة العليا.
{ضرب لكم مثلًا من أنفسكم} (28) أي: لستم تجعلون عبيدكم شركاءكم فكيف {تخافونهم كخيفتكم أنفسكم} أي كخيفتكم شركاءكم-الذين ليسوا عبيدًا- في المتاجر كقوله تعالى: {ولا تلمزوا أنفسكم}. {وكانوا شيعًا} (32) صاروا فرقًا.
{فئات ذا القربى حقه} (38) من البر وصلة الرحم. {ظهر الفساد في البر والبحر} (41) أجدب البر وانقطعت مادة البحر.
وقيل: البر مدائن البلاد والبحر: جزائرها.
{يصدعون} (43) يتفرقون.
{وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله} (49) الأول: من قبل الإنزال والثاني: من قبل الإرسال. {ولئن أرسلنا ريحًا فرأوه مصفرًا} (51) أي: السحاب فإذا كان مصفرًا لم يمطر. وقيل: فرأوا الزرع مصفرًا. فيكون كناية عن غير مذكور إلا أنه في {كيف يحي الأرض} دلالة عليه.
{لقد لبثتم في كتاب الله} (56) علم الله. وقيل: ما بين من كتابه، تمت سورة الروم. اهـ.